فصل: ثالثاً: التّفويض في الوزارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تفسيق

التّعريف

1 - التّفسيق‏:‏ مصدر فسّق، يقال‏:‏ فسّقه إذا نسبه إلى الفسق، والفسق - في الأصل - الخروج، وغلب استعماله في الخروج عن الاستقامة والطّاعة، يقال‏:‏ فسقت الرّطبة، أي‏:‏ خرجت عن قشرتها‏.‏

والفسق هو الفجور والخروج عن طريق الحقّ والتّرك لأمر اللّه، والعصيان، وفي التّنزيل ‏{‏وَإنَّه لَفِسْقٌ‏}‏ أي خروج عن الحقّ‏.‏ وقال العسكريّ‏:‏ الفسق الخروج من طاعة اللّه بكبيرة، والفجور الانبعاث في المعاصي والتّوسّع فيها‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّعديل‏:‏

2 - من معاني التّعديل النّسبة إلى العدالة، يقال عدلت الشّاهد إذا نسبته إلى العدالة ووصفته بها‏.‏ والعدالة لغة الاستقامة، وفي الشّريعة‏:‏ عبارة عن الاستقامة على طريق الحقّ باجتناب ما هو محظور في الدّين‏.‏ فالتّعديل ضدّ التّفسيق‏.‏

ب - التّكفير‏:‏

3 - من معاني التّكفير النّسبة إلى الكفر، والكفر لغة التّغطية والسّتر، يقال‏:‏ فلان كفر النّعمة إذا سترها ولم يشكرها، وشرعاً هو‏:‏ تكذيب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور المعلومة من الدّين بالضّرورة ‏(‏ر‏:‏ كفر‏)‏‏.‏

والفرق بين التّفسيق والتّكفير أنّ التّفسيق أعمّ من التّكفير بهذا المعنى‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - تفسيق المجلود في حدّ القذف‏:‏ يفسّق المجلود في حدّ القذف، لقوله تعالى ‏{‏وَالَّذينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثمَّ لمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهمْ شَهَادَةً أَبَدَاً وَأولئكَ هم الفَاسِقُونَ‏}‏ فقد تعلّق بالقذف - إذا لم يأت القاذف ببيّنة - ثلاثة أحكام‏:‏ الحدّ، وردّ الشّهادة، والتّفسيق، تغليظاً لشأن القذف، وقوّة في الرّدع عنه‏.‏

وفي قبول شهادة الفاسق بعد التّوبة، وشروط توبته، تفصيل ينظر في مصطلحات ‏(‏توبة، شهادة، فسق، وقذف‏)‏‏.‏

تفسيق مرتكب الكبائر

5 - لا خلاف بين الفقهاء في تفسيق مرتكب الكبائر كالزّاني، واللّائط، والقاتل، ونحوهم، لأنّ تفسيق القاذف وردّ شهادته ثبت بنصّ القرآن فيقاس عليه كلّ مرتكب كبيرة‏.‏

أمّا الصّغائر فلا يفسّق بها،لقوله تعالى‏:‏‏{‏الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ‏}‏‏.‏ أمّا تفسير الكبيرة ففيه خلاف وتفصيل ينظر في ‏(‏كبائر، عدالة، فسق، ومعصية‏)‏‏.‏

تفسيق أهل البدع

6 - البدع إمّا عمليّة أو اعتقاديّة، فأمّا البدع العمليّة، فيرى المالكيّة والحنابلة وشريك وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور تفسيق أهلها، وعدم قبول شهادتهم لأنّ الابتداع فسق من حيث الاعتقاد، وهو شرّ من الفسق من حيث التّعاطي، ولا فرق بين كون أهل البدع متعمّدين للبدعة أو متأوّلين، لأنّهم لا يعذرون بالتّأوّل‏.‏

أمّا الحنفيّة والشّافعيّة فيقولون بقبول شهادة أهل البدع إلا الخطّابيّة فإنّهم لا تقبل شهادتهم، لأنّهم يرون إباحة الكذب على خصومهم لتأييد مذهبهم‏.‏

أمّا البدع الاعتقاديّة غير المكفّرة، فقد اتّفق الفقهاء على تفسيق أهلها‏.‏ إلا أنّهم لا يعتبرون هذا النّوع من الفسق مانعاً من قبول الشّهادة، لأنّ أهل البدع ما أوقعهم في البدعة والهوى إلا التّعمّق والغلوّ في الدّين، فمنهم من يعظّم الذّنب حتّى يجعله كفراً، فيكون ممتنعاً عن الكذب، فصار هذا كمن يشرب المثلّث من الحنفيّة، أو يأكل متروك التّسمية عامدا من الشّافعيّة معتقدا إباحته، فإنّه لا تردّ شهادته كذا هذا، بخلاف الفسق من حيث التّعاطي والأفعال حيث تردّ الشّهادة به‏.‏

أمّا البدع المكفّرة فتردّ شهادة أهلها عند الجمهور، وتفصيل ذلك ينظر في ‏(‏أهل الأهواء، بدعة، شهادة، عدالة، وفسق‏)‏‏.‏

تفسيق من ليس فاسقاً

7 - من فسّق مسلماً بأن قذفه ب ‏(‏يا فاسق‏)‏‏.‏ وهو ليس بفاسق عزّر، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم‏.‏

أمّا لو قال لفاسق‏:‏ يا فاسق فلا يجب فيه شيء ‏.‏ التّفاصيل في ‏(‏سبّ، وفسق‏)‏‏.‏

مواطن البحث

يتناول الفقهاء أحكام التّفسيق بالتّفصيل في أبواب الشّهادات، وحدّ القذف، والرّدّة، فتنظر فيها، وفي مصطلحاتها الخاصّة، وكذلك في مباحث ‏(‏الإمامة‏:‏ كبرى أو صغرى‏)‏‏.‏

تفضيل

التّعريف

1 - التّفضيل في اللّغة‏:‏ مصدر فضّله، يقال‏:‏ فضّلت فلاناً على غيره تفضيلاً، أي ميّزته، وحكمت له بالفضل، أو صيّرته كذلك والفضل والفضيلة‏.‏ ضدّ النّقص والنّقيصة‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة تفضيل عن هذا المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّسوية‏:‏

2 - التّسوية من سوّيت الشّيء فاستوى، أي‏:‏ قوّمته فاستقام، وقسم الشّيء بين الرّجلين بالسّويّة، أي‏:‏ على سواء، ومن معانيها أيضاً‏:‏ العدل، يقال‏:‏ سوّيت بين الشّيئين‏:‏ إذا عدلت بينهما، وسوّيت فلاناً بفلان‏:‏ ماثلته به‏.‏ فالتّسوية ضدّ التّفضيل‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - يختلف حكم التّفضيل باختلاف مواضعه‏:‏ فقد يكون واجبا كتفضيل الفارس على الرّاجل في تقسيم الغنيمة‏.‏ فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يعطى الفارس أكثر من الرّاجل، ثمّ اختلفوا في مقدار ما يعطاه الفارس، والفرس، والرّاجل‏.‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وأبو يوسف، ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه يعطى الفارس ثلاثة أسهم، سهما له وسهمين لفرسه لحديث ابن عمر «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم‏:‏ سهمان لفرسه، وسهم له»‏.‏

ويعطى الرّاجل سهما، وقال أبو حنيفة بإعطاء الفارس سهمين، والرّاجل سهماً، لحديث مجمّع بن جارية «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الرّاجل سهما»‏.‏

وأمّا تفضيل بعض الغانمين على بعض فالأصل أنّه لا يجوز، وفي المسألة تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏غنيمة‏)‏‏.‏

4 - واختلف الفقهاء في جواز التّفضيل بين الأصناف المختلفة وآحاد الصّنف الواحد في إعطاء الزّكاة يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏تسوية‏)‏ وقد فصّل الفقهاء الكلام فيه في كتاب الزّكاة عند الكلام عن ‏(‏مصرف الزّكاة‏)‏‏.‏

5 - وقد يكون التّفضيل مكروها كتفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة عند جمهور الفقهاء، إن وقع جاز، وروي عن مالك المنع، وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب التّسوية بين الأولاد، فإن خصّ بعضهم بعطيّة، أو فاضل بينهم فيها، دون معنى يقتضي ذلك أثم، وهناك خلاف بين الفقهاء في معنى التّسوية، هل تكون على حسب قسمة اللّه تعالى الميراث، أو تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذّكر‏؟‏ يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏تسوية وهبة‏)‏‏.‏

6 - وقد يكون التّفضيل حراما كتفضيل زوجة على أخرى‏.‏

فقد اتّفق الفقهاء على حرمة التّفضيل بين الزّوجات في القسم، وإن ترجّحت إحداهنّ بشرف أو غيره، وفي تفضيل الجديدة على القديمة، وفي كيفيّة القسم خلاف وتفصيل‏.‏

يرجع إليه في مصطلحي ‏(‏تسوية وقسم‏)‏‏.‏

7 - وللفقهاء أقوال وآراء حول تفضيل مكّة على المدينة المنوّرة، وتفضيل قبره المكرّم صلى الله عليه وسلم وتفضيل الصّلاة في المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ على غيرهما من المساجد، وتفضيل إدراك الجماعة على تثليث الوضوء وسائر آدابه، والتّفضيل بين آحاد كلّ صنف في الوصيّة ذكر في موطنه ويرجع أيضاً إلى مصطلحات ‏(‏المدينة المنوّرة، مكّة المكرّمة، قبر، مساجد، وصيّة‏)‏‏.‏

8 - وأيضاً ينظر تفصيل الكلام في تفضيل حجّ الغنيّ على حجّ الفقير، وحجّ الفرض على طاعة الوالدين، وبناء الرّباط على حجّ النّفل، والحجّ تطوّعاً على الصّدقة، ويوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة على غيره، وتفضيل مجاورة المدينة على مكّة، أو العكس في ‏(‏كتاب الحجّ‏)‏‏.‏ ومصطلحي ‏(‏حجّ، وجوار‏)‏ كما فصّل القرافيّ الكلام في التّفضيل بين العلوم في الفرق الثّالث عشر والمائة‏.‏

تفليج

التّعريف

1 - التّفليج لغة هو التّفريق بين الأسنان سواء، أكان خلقة، أم بتكلّف، بأن يبردها بالمبرد ونحوه طلبا للحسن، ويقال‏:‏ رجل أفلج الأسنان وامرأة فلجاء الأسنان‏.‏

ورجل مفلج الثّنايا أي منفرجها‏.‏ والمتفلّجة هي الّتي تتكلّف، بأن تفرّق بين الأسنان لأجل الحسن‏.‏ وهو من الفلج ‏(‏بفتح الفاء واللام‏)‏ وهو الفرجة بين الثّنايا والرّباعيّات‏.‏

وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنّه كان مفلّج الأسنان، وفي رواية أفلج الأسنان، وعن ابن عبّاس قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفلج الثّنيّتين، وإذا تكلّم رئي كالنّور يخرج من بين ثناياه»‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّفريق‏:‏

2 - التّفريق في اللّغة‏:‏ خلاف الجمع، وهو الفصل بين الأشياء، أو الفصل بين أبعاض الشّيء الواحد‏.‏ ولا يخرج معناه الشّرعيّ عن المعنى اللّغويّ وهو أعمّ من التّفليج، حيث يكون في الأسنان وغيرها‏.‏

ب - الوشر‏:‏

3 - الوشر في اللّغة‏:‏ النّشر، يقال‏:‏ وشر الخشبة وشرا‏:‏ إذا نشرها بالمنشار‏.‏

وهو في الشّرع‏:‏ تحديد الأسنان وترقيق أطرافها‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «نهى عن النّامصة والواشرة»‏.‏

والفرق بينهما‏:‏ أنّ التّفليج هو تفريق الأسنان، والوشر هو تحديدها وترقيقها‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ تفليج الأسنان لأجل الحسن حرام، سواء في ذلك طالبة التّفليج وفاعلته، وذلك لما ثبت عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «لعن اللّه الواشمات، والمستوشمات، والنّامصات، والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق اللّه قال‏:‏ فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أمّ يعقوب‏.‏ وكانت تقرأ القرآن فأتته‏.‏ فقالت‏:‏ ما حديث بلغني عنك أنّك لعنت الواشمات، والمستوشمات، والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق اللّه، فقال عبد اللّه‏:‏ وما لي لا ألعن من لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب اللّه‏.‏ فقالت المرأة‏:‏ قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته‏.‏ فقال‏:‏ لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه‏.‏ قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوه وَمَا نَهَاكُمْ عَنْه فَانْتَهُوا‏}‏ فقالت المرأة‏:‏ إنّي أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن‏.‏ قال‏:‏ اذهبي فانظري‏.‏ قال‏:‏ فدخلت على امرأة عبد اللّه فلم تر شيئاً، فجاءت إليه فقالت‏:‏ ما رأيت شيئاً فقال‏:‏ أما لو كان ذلك لم نجامعها» أي لم نجتمع معها‏.‏

وعنه رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمّصات، والمتفلّجات، والمتوشّمات اللاتي يغيّرن خلق اللّه عزّ وجلّ»‏.‏ ثمّ إنّ هذه الحرمة ليست مطلقة، وإنّما هي مقصورة على من تفعل ذلك للحسن‏.‏ لأنّ اللام في قوله‏:‏ «للحسن» للتّعليل، أمّا لو احتيج إليه لعلاج أو عيب في السّنّ ونحوه فلا بأس به‏.‏

5 - والتّفليج عادة يكون ما بين الثّنايا والرّباعيّات من الأسنان‏.‏

وقال العينيّ‏:‏ لا يفعل ذلك إلا في الثّنايا والرّباعيّات‏.‏ وكان التّفليج يستحسن في المرأة، فربّما صنعته المرأة الّتي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلّجة‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السّنّ إظهارا للصّغر وحسن الأسنان، لأنّ هذه الفرجة اللّطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصّغار، فإذا عجزت المرأة وكبرت سنّها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهّم كونها صغيرة‏.‏

تفليس

انظر‏:‏ إفلاس‏.‏

تفويض

التّعريف

1 - التّفويض لغة مصدر فوّض، يقال‏:‏ فوّضت إلى فلان الأمر أي صيّرته إليه وجعلته الحاكم فيه‏.‏ ومنه حديث الفاتحة «فوّض إليّ عبدي»‏.‏

واصطلاحاً يستعمل في باب النّكاح‏.‏ يقال‏:‏ فوّضت المرأة نكاحها إلى الزّوج حتّى تزوّجها من غير مهر، وقيل‏:‏ فوّضت أي أهملت حكم المهر، فهي مفوِّضة - بكسر الواو - لتفويضها أمرها إلى الزّوج أو الوليّ بلا مهر‏.‏ ومفوَّضة - بفتح الواو - من فوّضها وليّها إلى الزّوج بلا مهر‏.‏ وهو في باب الطّلاق‏:‏ جعل أمر طلاق الزّوجة بيدها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - توكيل‏:‏

2 - وكل إليه الأمر‏:‏ سلّمه إليه، والتّوكيل هو الإنابة في تصرّف جائز معلوم‏.‏

وتوكيل الزّوجة تطليق نفسها هو بعينه التّفويض في الطّلاق في القول القديم للشّافعيّة، وهو عند المالكيّة أحد أنواع التّفويض الثّلاثة‏:‏ التّوكيل، والتّمليك، والتّخيير، وجعل الحنابلة حمل أمر الزّوجة بيدها، وتعليق الطّلاق على مشيئتها، من باب التّوكيل‏.‏

ب - التّمليك‏:‏

3 - أملكه الشّيء وملّكه إيّاه تمليكا جعله ملكاً له‏.‏

واعتبر الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد تفويض الطّلاق للزّوجة من التّمليك، وهو أحد أنواع التّفويض الثّلاثة عند المالكيّة،وجعله الحنابلة خاصّا بصيغة الاختيار دون غيرها من الصّيغ‏.‏ ج - التّخيير‏:‏

4 - التّخيير من خيّرته بين الشّيئين فوّضت إليه الاختيار فاختار أحدهما وتخيّره، وحقيقة التّفويض هو تخيير الزّوجة بين البقاء في عصمة الزّوج، أو الفراق، سواء عن طريق تمليكها للطّلاق أو توكيلها في إيقاعه، قالت عائشة رضي الله عنها «لمّا أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه وبدأ بي» الحديث

ويعتبر الفقهاء لفظ ‏(‏اختاري‏)‏ أحد صيغ التّفويض‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالتّفويض

أوّلا‏:‏ التّفويض في النّكاح‏:‏

حقيقة التّفويض وحكمه‏:‏

5 - المراد بالتّفويض في النّكاح السّكوت عن تعيين الصّداق حين العقد، ويفوّض ذلك إلى أحد الزّوجين أو إلى غيرهما‏.‏ وقد أجمع العلماء على جواز نكاح التّفويض لقوله تعالى‏:‏

‏{‏لا جُنَاحَ عَليكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ، أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيْضَةً‏}‏ ولما روى معقل بن سنان أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «قضى في بروع بنت واشق، وكان زوجها مات، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً، فجعل لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط» ولأنّ القصد من النّكاح الوصلة والاستمتاع دون الصّداق، فصحّ من غير ذكره‏.‏

6 - واختلف الفقهاء في بعض الصّور الّتي يخلو العقد فيها من تسمية المهر هل تعتبر تفويضا فتأخذ حكمه أو لا‏؟‏ كاشتراط عدم المهر، والتّراضي على إسقاطه‏.‏

فيرى جمهور الفقهاء أنّ هذه الصّور من التّفويض، ومن ثمّ يصحّحون عقد الزّواج فيها، وذلك لأنّ المهر ليس ركناً في العقد ولا شرطاً له، بل هو حكم من أحكامه، فالخلل فيه لا تأثير له على العقد‏.‏

وأمّا المالكيّة فيرون فساد النّكاح في هذه الصّور، ويوجبون فسخه قبل الدّخول، فإن دخل ثبت العقد ووجب لها مهر المثل‏.‏

أنواع التّفويض‏:‏

7 - التّفويض في النّكاح على ضربين‏:‏

أ - تفويض المهر‏:‏ وهو أن يتزوّجها على ما شاءت، أو على ما شاء الزّوج أو الوليّ، أو على ما شاء غيرهم، والمالكيّة لا يسمّون هذا النّوع تفويضا بل يسمّونه التّحكيم‏.‏

ب - تفويض البضع‏:‏ وهو أن يزوّج الأب ابنته المجبرة بغير صداق، أو تأذن المرأة لوليّها أن يزوّجها بغير صداق‏.‏

ما يجب في نكاح التّفويض‏:‏

8 - ذهب الحنفيّة والحنابلة - وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة - إلى أنّ مهر المثل في نكاح التّفويض يجب بالعقد، ويتأكّد ويتقرّر بالموت أو الوطء‏.‏

وذهب الشّافعيّة - في الأظهر - إلى أنّه يجب بالوطء‏.‏

وفرّق المالكيّة بين الوطء والموت، فقالوا‏:‏ إنّه يجب بالوطء لا بالموت على التّفصيل الآتي فيما بعد‏.‏

واتّفقوا على أنّه إن طلّقها قبل الدّخول لم يكن لها إلا المتعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ على المُوسِعِ قَدَرُه وَعَلى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعَاً بِالمَعْرُوفِ حَقَّاً على المُحْسِنينَ‏}‏ على خلاف بينهم في وجوبها‏.‏

فإلى الوجوب ذهب جمهور الفقهاء، لأنّ الأمر يقتضي الوجوب، ولا يعارضه قوله ‏{‏حَقَّاً عَلَى المُحْسِنينَ‏}‏ لأنّ أداء الواجب من الإحسان، ولأنّ المفوّضة لم يجب لها شيء فتجب لها المتعة للإيحاش‏.‏

وإلى النّدب ذهب المالكيّة، وهو القديم عند الشّافعيّة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَقَّاً علَى المُحْسِنينَ‏}‏ قالوا‏:‏ ولو كانت واجبة لم يخصّ بها المحسنون دون غيرهم‏.‏

وأمّا موت أحد الزّوجين قبل الدّخول فهو محلّ خلاف في إيجاب مهر المثل لها، فذهب الجمهور إلى أنّه إن مات الزّوج عن المفوّضة قبل الدّخول، فلها مهر مثلها، لحديث معقل بن سنان أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «قضى في بروع بنت واشق، وكان زوجها مات، ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً، فجعل لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط»‏.‏ وذهب المالكيّة إلى‏:‏ أنّه لا صداق لها وإن ثبت لها الميراث‏.‏

ثانياً‏:‏ التّفويض في الطّلاق

حكم التّفويض في الطّلاق‏:‏

9 - اتّفق الفقهاء على‏:‏ جواز تفويض الطّلاق للزّوجة لما روى جابر بن عبد اللّه قال‏:‏

«دخل أبو بكر يستأذن على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فوجد النّاس جلوساً ببابه، لم يؤذن لأحد منهم‏.‏ قال‏:‏ فأذن لأبي بكر فدخل، ثمّ جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، قال‏:‏ فقال واللّه لأقولن شيئاً أضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه، لو رأيت بنت خارجة سألتني النّفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ هنّ حولي كما ترى يسألنني النّفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول‏:‏ تسألن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فقلن‏:‏ واللّه لا نسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده، ثمّ اعتزلهنّ شهراً أو تسعاً وعشرين، ثمّ نزلت عليه الآيات‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّها النَّبيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلاً، وَإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً‏}‏ قال‏:‏ فبدأ بعائشة فقال‏:‏ يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليك أمراً أحبّ ألا تعجلي فيه حتّى تستشيري أبويك، قالت‏:‏ وما هو يا رسول اللّه‏؟‏ فتلا عليها الآية‏.‏ قالت‏:‏ أفيك يا رسول اللّه أستشير أبويّ، بل أختار اللّه ورسوله والدّار الآخرة، وأسالك ألا تخبر امرأة من نسائك بالّذي قلت‏.‏ قال‏:‏ لا تسألني امرأة منهنّ إلا أخبرتها، إنّ اللّه لم يبعثني معنّتاً ولا متعنّتاً، ولكن بعثني معلّماً ميسّراً»‏.‏

حقيقة التّفويض في الطّلاق وصفته‏:‏

10 - ذهب الحنفيّة، والشّافعيّ في الجديد، إلى أنّ التّفويض تمليك للطّلاق، وعلى هذا قال الحنفيّة بعدم صحّة رجوع الزّوج عنه، وذلك لأنّ التّمليك يتمّ بالملك وحده بلا توقّف على القبول‏.‏ وقال الشّافعيّ في القديم له الرّجوع قبل تطليقها، بناء على أنّ التّمليك يجوز الرّجوع فيه قبل القبول، وبناء على اشتراطهم لوقوعه تطليقها على الفور، وذلك لأنّ التّطليق عندهم جواب للتّمليك، فكان كقبوله، وقبوله فور‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد جعلوا التّفويض جنسا تحته أنواع ثلاثة‏:‏ تفويض توكيل، وتفويض تخيير، وتفويض تمليك‏.‏ ويمكن التّمييز بينها من خلال الألفاظ الصّادرة عن الزّوج‏.‏

فكلّ لفظ دلّ على جعل إنشاء الطّلاق بيد الغير مع بقاء حقّ الزّوج في المنع من إيقاعه فهو تفويض توكيل، وكلّ لفظ دلّ على أنّ الزّوج فوّض لها البقاء على العصمة أو الخروج منها فهو تفويض تخيير، وكلّ لفظ دلّ على جعل الطّلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير فهو تفويض تمليك‏.‏ وله الرّجوع في تفويض التّوكيل دونهما، لأنّه في التّوكيل جعلها نائبة عنه في إنشائه، وأمّا فيهما فقد جعل لها ما كان يملك، فهما أقوى‏.‏

وفرّق الحنابلة بين صيغ التّفويض، فجعلوا صيغتين ‏"‏ أمرك بيدك ‏"‏، ‏"‏ وطلّقي نفسك ‏"‏ من التّوكيل، فيكون لها على التّراخي ما لم يفسخ أو يطأ، وجعلوا صيغة ‏"‏ اختاري ‏"‏ من خيار التّمليك، فهو لها على الفور إلا أن يجعله لها على التّراخي‏.‏

ألفاظ التّفويض في الطّلاق‏:‏

11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى تقسيم ألفاظ التّفويض في الطّلاق إلى صريح وكناية، فالصّريح عندهم ما كان بلفظ الطّلاق، كطلّقي نفسك إن شئت، والكناية ما كان بغيره كاختاري نفسك وأمرك بيدك‏.‏

وفرّق الحنابلة بينهما، فجعلوا لفظ الأمر من باب الكناية الظّاهرة، ولفظ الخيار من باب الكناية الخفيّة‏.‏ وتفتقر ألفاظ التّفويض الكنائيّة إلى النّيّة بخلاف الصّريح منها‏.‏

زمن تفويض الزّوجة‏:‏

12 - صيغة التّفويض إمّا أن تكون مطلقة، أو تكون مقيّدة بزمن معيّن، أو تكون بصيغة تعمّ جميع الأوقات‏.‏

- أ - فإن كانت صيغة التّفويض مطلقة‏.‏

فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ حقّ الطّلاق للمرأة مقيّد بمجلس علمها وإن طال، ما لم تبدّل مجلسها حقيقة كقيامها عنه، أو حكما بأن تعمل ما يقطعه ممّا يدلّ على الإعراض عنه، وكان الإمام مالك يقول بأنّ التّخيير والتّمليك المطلقين باقيان بيدها ما لم توقف عند الحاكم، أو تمكّن زوجها من الاستمتاع منها عالمة طائعة، ثمّ رجع إلى ما ذهب إليه الجمهور، وهو ما أخذ به ابن القاسم، ورجّحه الدّردير والدّسوقيّ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثمّ طلّقت لم يقع‏.‏

وأمّا الحنابلة فقد جعلوا لكلّ صيغة من صيغ التّفويض حكماً خاصّاً بها‏.‏

فلو قال لها ‏"‏ أمرك بيدك ‏"‏ فلا يتقيّد ذلك بالمجلس، ولها حقّ تطليق نفسها على التّراخي وذلك لأنّه توكيل يعمّ الزّمان ما لم يقيّده بقيد، وكذلك الحكم لو قال لها ‏"‏ طلّقي نفسك ‏"‏ فهو على التّراخي، لأنّه فوّضه إليها فأشبه ‏"‏ أمرك بيدك ‏"‏‏.‏

ولو قال لها‏:‏ اختاري نفسك ‏"‏ فهو مقيّد بالمجلس، وبعدم الاشتغال بما يقطعه عرفاً، وهذا مرويّ عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، ولأنّه خيار تمليك، فكان على الفور كخيار القبول‏.‏ إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك بأن يقول لها ‏"‏ اختاري نفسك يوماً أو أسبوعاً أو شهرا ‏"‏ ونحوه فتملكه‏.‏

- ب - وإن كانت صيغة التّفويض تعمّ جميع الأوقات فيكون لها حقّ تطليق نفسها متى شاءت ولا يتقيّد بالمجلس‏.‏ وقيّده المالكيّة بعدم وقفها عند الحاكم لتطلّق أو تسقط التّمليك، أو يكون منها ما يدلّ على إسقاطه، كأن تمكّنه من الاستمتاع بها، وذلك لأنّهم يقولون بوجوب التّفريق بين الزّوجين في حالة التّفويض حتّى تجيب بما يقتضي ردّا أو أخذا، وإلا لأدّى إلى الاستمتاع في عصمة مشكوك في بقائها‏.‏

وهذا في تفويض التّمليك والتّخيير دون التّوكيل لقدرة الزّوج على عزلها‏.‏

- ج - وإن كانت صيغة التّفويض مقيّدة بزمن معيّن، فإنّه يستمرّ حقّ تطليق نفسها إلى أن ينتهي هذا الزّمن، ولا يبطل التّفويض المؤقّت بانتهاء المجلس ولا بالإعراض عنه‏.‏ وعند المالكيّة يستمرّ ما لم توقف عند الحاكم أو يكن منها ما يدلّ على إسقاطه‏.‏

عدد الطّلقات الواقعة بألفاظ التّفويض ونوعها‏:‏

13 - فرّق الحنفيّة بين التّفويض بصريح الطّلاق وكنايته، فذهبوا إلى أنّه إن طلّقت الزّوجة نفسها بتفويض الزّوج لها الطّلاق بصريحه، فإنّ طلاقها يقع طلقة واحدة رجعيّة، إلا أن يجعل لها أكثر من واحدة، كقوله‏:‏ طلّقي نفسك ما شئت‏.‏

وإن كان التّفويض بالكناية كقوله‏:‏ أمرك بيدك أو اختاري نفسك، فاختارت الزّوجة الفرقة فإنّها تقع طلقة واحدة بائنة بينونة صغرى، إلا أن ينوي الكبرى فتوقعها بلفظها أو بنيّتها‏.‏ وعندهم أنّ المفيد للبينونة إذا قرن بالصّريح صار رجعيّاً‏.‏

وإنّما كان الطّلاق بائنا في التّفويض بالكناية دون الصّريح، لأنّ هذه الألفاظ جواب الكناية والكنايات على أصلهم مبينات، ولأنّ قوله‏:‏ أمرك بيدك جعل أمر نفسها بيدها، فتصير عند اختيارها نفسها مالكة نفسها، وإنّما تصير مالكة نفسها بالبائن لا بالرّجعيّ‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا القول بناء على تقسيمهم التّفويض إلى أنواع ثلاثة‏.‏

ففي تفويض التّوكيل - للزّوجة أن توقع من الطّلقات ما وكّلها به من طلقة واحدة أو أكثر، وهو كذلك في تفويض التّمليك، فلها أن توقع من الطّلقات ما جعل بيدها من طلقة واحدة أو أكثر، وله أن يناكرها فيما زاد على الطّلقة الواحدة إذا أطلق‏.‏

وأمّا في تفويض التّخيير، فيقع طلاقها ثلاثاً إن اختارت الفراق، فإن قالت اخترت واحدة أو اثنتين لم يكن لها إلّا أن يخيّرها في طلقة واحدة أو طلقتين خاصّة فتوقعها‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ تفويض الطّلاق للزّوجة يقع به طلقة واحدة رجعيّة، إن كانت الزّوجة محلاً للرّجعة،إلا أن يقول لها‏:‏ طلّقي ونوى ثلاثاً فقالت‏:‏ طلّقت ونوتهنّ فيقع ثلاثاً‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ الزّوجة لها أن تطلّق نفسها ثلاثاً في التّوكيل والتّمليك، وأمّا في الاختيار فليس لها أن تطلّق نفسها أكثر من واحدة، إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك، سواء جعله لها بلفظه، أو بنيّته، وتقع رجعيّة‏.‏

ثالثاً‏:‏ التّفويض في الوزارة

أنواع الوزارة‏:‏

14 - يقسّم الفقهاء الوزارة إلى ضربين‏:‏ وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، وسيأتي الكلام على وزارة التّنفيذ في ‏(‏وزارة، وتنفيذ ‏)‏‏.‏

تعريف وزارة التّفويض‏:‏

15 - وزارة التّفويض هي أن يستوزر الإمام من يفوّض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده‏.‏

مشروعيّتها‏:‏

16 - وزارة التّفويض مشروعة لقوله تعالى حكاية عن نبيّه موسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْ لِي وَزِيرَاً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِيْ وَأَشْرِكْه في أَمْرِي‏}‏ فإذا جاز ذلك في النّبوّة كان في الإمامة أولى، ولأنّ ما وكّل إلى الإمام من تدبير الأمّة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستنابة، ونيابة الوزير المشارك له في التّدبير أجدى في تنفيذ الأمور من تفرّده بها، ليستظهر به على نفسه، وبها يكون أبعد من الزّلل وأمنع من الخلل‏.‏ قال الماورديّ وأبو يعلى ما مفاده‏:‏ يشترط في لفظ تولية وزارة التّفويض اشتماله على أمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ عموم النّظر، والثّاني‏:‏ النّيابة، فإن اقتصر على عموم النّظر دون النّيابة فكان بولاية العهد أخصّ فلم تنعقد به الوزارة، وإن اقتصر به على النّيابة فقد أبهم ما استنابه فيه من عموم وخصوص أو تنفيذ وتفويض فلم تنعقد به الوزارة، وإذا جمع بينهما انعقدت وتمّت‏.‏

شروط وزارة التّفويض‏:‏

17 - يعتبر في تقليد وزارة التّفويض، شروط الإمامة إلا النّسب وحده‏.‏

ويزاد على الإمامة شرط، وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وكّل إليه من أمر الحرب والخراج خبيرا بهما، فإنّه مباشر لهما تارة بنفسه، وتارة يستنيب فيهما‏.‏

اختصاصات وزير التّفويض‏:‏

18 - لوزير التّفويض اختصاصات واسعة فكلّ ما صحّ من الإمام صحّ من هذا الوزير إلا ثلاثة أشياء‏.‏ أحدها‏:‏ ولاية العهد فإنّ للإمام أن يعهد إلى من يرى وليس ذلك للوزير‏.‏ والثّاني‏:‏ أنّ للإمام أن يستعفي الأمّة من الإمامة، وليس ذلك للوزير‏.‏

والثّالث‏:‏ أنّ للإمام أن يعزل من قلّده الوزير، وليس للوزير أن يعزل من قلّده الإمام‏.‏

وما سوى هذه الثّلاثة فحكم التّفويض يقتضي جواز فعله، فإن عارضه الإمام في ردّ ما أمضاه، فإن كان في حكم نفذ على وجهه، أو في مال وضع في حقّه لم يجز نقض ما نفذ باجتهاده من حكم ولا استرجاع ما فرّق برأيه من مال، فإن كان في تقليد وال أو تجهيز جيش وتدبير حرب جاز للإمام معارضته بعزل المولّى والعدول بالجيش إلى حيث يرى، وتدبير الحرب بما هو أولى، لأنّ للإمام أن يستدرك ذلك من أفعال نفسه، فكان أولى أن يستدركه من أفعال وزيره‏.‏

تعدّد وزراء التّفويض‏:‏

19 - قال الماورديّ وأبو يعلى ما مفاده‏:‏

لا يجوز للخليفة أن يقلّد وزيري تفويض على الاجتماع لعموم ولايتهما، كما لا يجوز تقليد إمامين لأنّهما ربّما تعارضا في العقد والحلّ، والتّقليد والعزل‏.‏

فإن قلّد وزيري تفويض لم يخل حال تقليده لهما من ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن يفوّض إلى كلّ واحد منهما عموم النّظر فلا يصحّ لما ذكر، وينظر في تقليدهما، فإن كان في وقت واحد بطل تقليدهما معا، وإن سبق أحدهما الآخر صحّ تقليد السّابق وبطل تقليد المسبوق‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ أن يشرك بينهما في النّظر على اجتماعهما فيه، ولا يجعل إلى واحد منهما أن ينفرد به، فهذا يصحّ وتكون الوزارة بينهما لا في واحد منهما، ولهما تنفيذ ما اتّفق رأيهما عليه، وليس لهما تنفيذ ما اختلفا فيه، ويكون موقوفاً على رأي الخليفة وخارجاً عن نظر هذين الوزيرين، وحينئذ تكون هذه الوزارة قاصرة على وزارة التّفويض المطلقة من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ اجتماعهما على تنفيذ ما اتّفقا عليه‏.‏

والثّاني‏:‏ زوال نظرهما عمّا اختلفا فيه‏.‏

القسم الثّالث‏:‏ أن لا يشرك بينهما في النّظر ويفرد كلّ واحد منهما بما ليس فيه للآخر نظر، وهذا يكون على أحد وجهين‏:‏ إمّا أن يخصّ كلّ واحد منهما بعمل يكون فيه عامّ النّظر خاصّ العمل، مثل أن يردّ إلى أحدهما وزارة بلاد الشّرق وإلى الآخر وزارة بلاد الغرب‏.‏ وإمّا أن يخصّ كلّ واحد منهما بنظر يكون فيه عامّ العمل خاصّ النّظر، مثل أن يستوزر أحدهما على الحرب والآخر على الخراج، فيصحّ التّقليد على كلا الوجهين، غير أنّهما لا يكونان وزيري تفويض ويكونان واليين على عملين مختلفين، لأنّ وزارة التّفويض ما عمّت، ونفذ أمر الوزيرين بها في كلّ عمل وكلّ نظر، ويكون تقليد كلّ واحد منهما مقصوراً على ما خصّ به، وليس له معارضة الآخر في نظره وعمله‏.‏

تقابض

التّعريف

1 - التّقابض‏:‏ صيغة تقتضي المشاركة في القبض‏.‏ وهو في اللّغة‏:‏ أخذ الشّيء وتناوله باليد، ويقال‏:‏ قبض عليه بيده‏:‏ ضمّ عليه أصابعه، وقبض عنه يده‏:‏ امتنع عن إمساكه‏.‏ ويستعمل القبض لتحصيل الشّيء وإن لم يكن فيه أخذ بالكفّ، نحو قبضت الدّار والأرض من فلان أي‏:‏ حزتهما‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالأرَضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُه يَومَ القِيامَةِ‏}‏ أي في حوزه، حيث لا تملك لأحد غير اللّه تعالى‏.‏ ويستعمل القبض ضدّ البسط أيضاً‏.‏

والقبض في اصطلاح الفقهاء‏:‏ حيازة الشّيء والتّمكّن من التّصرّف فيه، سواء أكان ممّا يمكن تناوله باليد أم لم يمكن‏.‏ وقد غلب عند المالكيّة، التّعبير عن القبض، بالحوز والحيازة‏.‏ فالتّقابض أن يأخذ كلّ من المتعاقدين العوض‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّعاطي‏:‏

2 - التّعاطي صيغة تقتضي المشاركة بمعنى حصول الإعطاء من طرفين ومنه التّعاطي في البيع، وهو إعطاء البائع المبيع للمشتري على وجه البيع والتّمليك، وإعطاء المشتري الثّمن للبائع دون تلفّظ بإيجاب أو قبول‏.‏

ب - التّخلية‏:‏

3 - التّخلية‏:‏ مصدر خلّى، ومن معانيها‏:‏ التّرك، يقال‏:‏ خلّيت الشّيء وتخلّيت عنه، ومنه إذا تركته‏.‏ وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ تمكين الشّخص من التّصرّف في الشّيء دون حائل وإذا مكّن البائع المشتري من التّصرّف في المبيع حصلت التّخلية‏.‏

والفرق بين التّخلية والقبض‏:‏ أنّ الأوّل من طرف المعطي، والثّاني من طرف القابض‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - ذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، إلى أنّه يشترط التّقابض قبل التّفرّق من المجلس في الصّرف، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» أي مقابضة‏.‏ وإذا بيع المال الرّبويّ بجنسه اشترط الحلول والمماثلة والتّقابض قبل التّفرّق، فإن اختلف الجنس جاز التّفاضل، واشترط الحلول والتّقابض قبل التّفرّق، وقال الحنابلة‏:‏ لا يشترط ذلك إلّا إن اتّحدت علّة الرّبا في العوضين من كيل أو وزن‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يشترط التّقابض قبل التّفرّق إلّا في الصّرف، أمّا في غيره من الرّبويّات فيمتنع النّساء، ولا يشترط فيها التّقابض‏.‏ بل يكتفى فيها بالتّعيين، لأنّ البدل في غير الصّرف يتعيّن بمجرّد التّعيين قبل القبض ويتمكّن من التّصرّف فيه، فلا يشترط قبضه، بخلاف البدل في الصّرف، لأنّ القبض شرط في تعيينه، فإنّه لا يتعيّن بدون القبض، إذ الأثمان لا تتعيّن مملوكة إلّا به، ولذلك كان لكلّ من المتعاقدين تبديلها‏.‏

5 - والتّقابض المعتدّ به عند الفقهاء في عقد الصّرف‏.‏ هو ما كان قبل الافتراق بالأبدان‏.‏ واستثنى الفقهاء أيضا من جواز التّصرّف في الأثمان، الثّمن في عقد الصّرف لاشتراط التّقابض‏.‏ وإنّما جاز التّصرّف في الأثمان عدا الصّرف لأنّها ديون يجوز التّصرّف فيها قبل القبض كسائر الدّيون - مثل المهر، والأجرة، وضمان المتلفات وغيرها - لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ «كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم، وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه، رويدك أسألك، إنّي أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم، وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء»‏.‏

وذكر الفقهاء جواز التّصرّف في الأثمان، واستثنوا الصّرف والسّلم، وقالوا‏:‏ لا يجوز فيهما التّصرّف في الثّمن قبل القبض‏.‏

أمّا الصّرف فلأن كلا من بدلي الصّرف مبيع من وجه وثمن من وجه، فباعتبار كونه مبيعا لا يجوز التّصرّف فيه قبل القبض، وباعتبار كونه ثمنا أيضا لا يصحّ لاشتراط التّقابض في الصّرف، ولقول عمر رضي الله عنه‏:‏ وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره‏.‏

وأمّا السّلم‏:‏ فالمسلم فيه لا يجوز التّصرّف فيه، لأنّه مبيع، ورأس المال ‏(‏الثّمن‏)‏ ألحق بالمبيع المعيّن في حرمة الاستبدال شرعاً‏.‏

وينظر التّفصيل ‏(‏في الصّرف، والرّبا، والسّلم‏)‏‏.‏

تقادم

التّعريف

1 - التّقادم لغة‏:‏ مصدر تقادم يقال‏:‏ تقادم الشّيء أي‏:‏ صار قديماً‏.‏

وقد عبّرت مجلّة الأحكام العدليّة عن التّقادم بمرور الزّمان‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ في الجملة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

التّقادم المانع من سماع الدّعوى

2 - لوليّ الأمر منع القضاة من سماع الدّعوى في أحوال بشروط مخصوصة، ومن ذلك منع سماع الدّعوى في بعض الحالات بعد مدّة محدّدة معلومة، ومع أنّ الحقّ لا يسقط بتقادم الزّمان، إلا أنّ وجه هذا المنع هو تلافي التّزوير والتّحايل، لأنّ ترك الدّعوى زماناً مع التّمكّن من إقامتها، يدلّ على عدم الحقّ ظاهراً‏.‏

وعدم سماع الدّعوى بعد المدّة المحدّدة ليس مبنيّا على سقوط الحقّ في ذاته وإنّما هو مجرّد منع القضاة عن سماع الدّعوى مع بقاء الحقّ لصاحبه حتّى لو أقرّ الخصم يلزمه، ولو كان التّقادم مسقطا للحقّ لم يلزمه‏.‏

مدّة التّقادم المانع من سماع الدّعوى

3 - فقهاء الحنفيّة مختلفون في تعيين المدّة الّتي لا تسمع بعدها الدّعوى في الوقف ومال اليتيم والغائب والإرث، فجعلها بعضهم ستّاً وثلاثين سنة، وبعضهم ثلاثا وثلاثين، وبعضهم ثلاثين فقط، إلا أنّه لمّا كانت هذه المدد طويلة استحسن أحد السّلاطين فيما سوى ذلك جعلها خمس عشرة سنة فقط، وحيث كان القضاء يتخصّص بالزّمان والمكان والخصومة، ويقبل التّقييد والتّعليق، فقد نهي قضاة ذلك السّلطان عن سماع دعوى تركها المدّعي خمس عشرة سنة بلا عذر، لكنّه استثنى من ذلك المنع بعض مسائل، وعلى هذا النّهي استقرّ خلفاؤه في الدّولة العثمانيّة، لما فيه من المصلحة العامّة، ومن ذلك يظهر أنّ التّقادم بمرور الزّمان مبنيّ على أمرين‏:‏

الأوّل‏:‏ حكم اجتهاديّ، نصّ عليه الفقهاء‏.‏

والثّاني‏:‏ أمر سلطانيّ يجب على القضاة في زمنه اتّباعه، لأنّهم بمقتضاه معزولون عن سماع دعوى مضى عليها خمس عشرة سنة بدون عذر، والقاضي وكيل عن السّلطان، والوكيل يستمدّ التّصرّف من موكّله، فإذا خصّص له تخصّص، وإذا عمّم تعمّم، كما نصّ عليه في الفتاوى الخيريّة وغيرها‏.‏

وقد فرّق فقهاء الحنفيّة بين هذين الأمرين بأنّ منع سماع الدّعوى بعد خمس عشرة سنة مبنيّ على النّهي السّلطانيّ، فمن نهى عن سماع الدّعوى له أن يأمر بسماعها، وأمّا عدم سماع الدّعوى بعد ثلاثين سنة فهو مبنيّ على منع الفقهاء، فليس للسّلطان أن ينقضه، لأنّ أمر السّلطان إنّما ينفذ إذا وافق الشّرع وإلا فلا‏.‏

ودعاوى الدّين الوديعة والعقار المملوك والميراث وما لا يعود من الدّعاوى إلى العامّة ولا إلى أصل الوقف في العقارات الموقوفة بعد أن تركت خمس عشرة سنة بلا عذر لا تسمع، وأمّا إذا كانت الدّعوى تعود إلى أصل الوقف فتسمع، ولو تركت المدّة المذكورة بلا عذر‏.‏ 4 - ومدّة المنع مع سماع الدّعوى تحسب بالتّاريخ القمريّ ‏(‏الهجريّ‏)‏ كما قرّرت ذلك جمعيّة المجلّة اتّباعا للعرف الشّرعيّ إلا إذا اتّفق على خلافه وعيّنا تاريخا شمسيّا، والمنع من سماع الدّعوى إنّما هو للقضاة، أمّا المحكّمون فلا يشملهم النّهي، فلو حكّم اثنان شخصا في نزاع مضى عليه أكثر من خمس عشرة سنة ولو بلا عذر فإنّ المحكّم يسعه أن يحكم بينهما ولا يمتنع عليه النّظر في النّزاع‏.‏

وأمّا ما يتعلّق بالنّزاع في أصل الوقف - وهو كلّ ما تتوقّف عليه صحّة الوقف - فتسمع دعواه حتّى ستّ وثلاثين سنة، وأمّا ما يتعلّق بالنّزاع في غير أصل الوقف كأجرة النّاظر والّذين يعملون في الوقف فتسمع دعواهم حتّى خمس عشرة سنة فقط‏.‏

الأعذار المبيحة لسماع الدّعوى بعد خمس عشرة سنة

5 - أوردت مجلّة الأحكام العدليّة من الأعذار الّتي يباح معها سماع الدّعوى بعد مدّة خمس عشرة سنة، الصّغر، والجنون، والغيبة عن البلد الّذي فيه موضوع النّزاع مدّة السّفر، أو كون خصمه من المتغلّبة، وفيما يلي تفصيلها‏:‏

- 1 - الصّغر‏:‏ إذا كان صاحب الحقّ صغيرا وسكت عن الدّعوى المدّة المقرّرة فإنّ المدّة تحسب عليه من تاريخ بلوغه رشيدا إن لم يكن له وليّ أو وصيّ باتّفاق، ومع الخلاف في حال وجود الوليّ أو الوصيّ، ورجّحت لجنة المجلّة الإطلاق لمصلحة الصّغير، ومن في حكمه، ولو كان له وصيّ‏.‏ ومثل ذلك المجنون، فإنّ المدّة لا تحسب إلا من تاريخ إفاقته، وكذلك المعتوه، فإنّ المدّة تحسب من تاريخ زوال العته‏.‏

- 2 - غيبة صاحب الحقّ عن البلد مدّة السّفر وهي مدّة القصر‏.‏

- 3 - إذا كان المدّعى عليه من المتغلّبة بأن كان أميراً جائراً مثلاً فذلك عذر يبيح للمدّعي السّكوت عن رفع الدّعوى، ولا تبتدئ المدّة حتّى يزول الجور ولو طال الزّمن‏.‏

متى تبتدئ المطالبة بالحقّ‏؟‏

6 – مذهب الحنفيّة كما جاء في مجلّة الأحكام العدليّة أنّه يبتدئ مرور الزّمان من تاريخ ثبوت الحقّ للمدّعي بإقامة الدّعوى بالمدّعى به، فمرور الزّمان في دعوى دين مؤجّل إنّما يبتدئ من تاريخ حلول الأجل لأنّه قبل حلوله لا يملك المدّعي الدّعوى والمطالبة بذلك الدّين، فمثلا لو ادّعى واحد على آخر فقال‏:‏ لي عليك كذا دراهم من ثمن الشّيء الّذي بعته لك قبل خمس عشرة سنة مؤجّلاً ثمنه لثلاث سنين تسمع دعواه لأنّه يكون قد مرّ اعتباراً من حلول الأجل اثنتا عشرة سنة لا غير، ومثلا لو وقف واقف وقفه وشرط أن يكون الاستحقاق لذرّيّته بطنا بعد بطن، فلا يستحقّ أحد من البطن الثّاني إلّا بعد انقراض البطن الأوّل، فلو وقف رجل عقارا وشرط ولايته وغلّته لأولاده ثمّ لأحفاده بطنا بعد بطن فقام أحد أولاده لصلبه ‏"‏ أي من البطن الأوّل ‏"‏ وباع ذلك العقار لآخر وظلّ الآخر متصرّفا فيه مدّة أربعين سنة، وبعد هذه المدّة توفّي البائع فقام أحد أبنائه يدّعي ذلك العقار على المشتري استنادا على شرط الواقف فتسمع دعواه ولا يمنعه مضيّ هذه المدّة، لأنّ حقّ إقامة الدّعوى لا يثبت للحفيد إلّا بعد وفاة والده بمقتضى شرط الواقف، فلا يبتدئ مرور الزّمان بالنّسبة لحقّه إلّا من بعد وفاة أبيه‏.‏

ومثل ذلك لو وقف واقف عقارا وشرط غلّته لأولاده الذّكور وبعد انقطاعهم على بناته، فباع أولاده الذّكور، ذلك العقار لرجل وسلّموه إيّاه وبعد ستّين سنة مثلا انقطعت ذرّيّة الواقف الذّكور فقامت بناته يدّعين ذلك العقار على المشتري بحكم الوقف، تسمع دعواهنّ ولا يمنع مرور هذه المدّة من سماع دعواهنّ، لأنّ حقّ إقامة الدّعوى لم يثبت لهنّ إلا بعد انقطاع ذرّيّة الواقف الذّكور‏.‏

ويبتدئ مرور الزّمان بالنّسبة لمؤجّل الصّداق من وقت الطّلاق أو من تاريخ موت أحد الزّوجين، لأنّ الصّداق المؤجّل لا يصير معجّلا إلا من تاريخ الطّلاق البائن أو الوفاة‏.‏

7 - وتبتدئ مطالبة المدين المفلس من تاريخ زوال الإفلاس كأن كان لدائن على مدين مبلغ من المال مثلا وكان المدين مفلسا مدّة عشر سنوات مثلا فإنّ هذه المدّة لا تدخل في الزّمن وتبتدئ مدّة المطالبة من تاريخ يسار المفلس لأنّ ترك الدّعوى بسبب إفلاس المدين كان بعذر إذ لا يتأتّى له إقامة الدّعوى ما دام المدين مفلسا‏.‏ ونصّت المادّة ‏(‏1669‏)‏ من المجلّة على أنّه ‏"‏ إذا ترك واحد دعواه بلا عذر ومرّ عليها الزّمان على ما ذكر آنفا فكما لا تسمع تلك الدّعوى في حياته لا تسمع أيضا من ورثته بعد مماته ‏"‏‏.‏

وجاء في شرحها‏:‏ وذلك لأنّ الوارث قائم مقام المورّث حقيقة وحكما، فما يمنع سماع دعوى المورّث يمنع سماع دعوى الوارث‏.‏ ولكنّ هذا إذا ادّعى الوارث ذلك الملك بالإرث عن مورّثه، أمّا لو ادّعاه بسبب آخر فلا يكون ترك مورّثه للدّعوى مانعا من سماع دعواه، لأنّه بهذه الصّورة لا يدّعي تلقّي الملك من مورّثه فلا يكون قائما مقامه، فمثلا لو أوصى رجل بعقار لابن زيد القاصر وبعد موته بخمس عشرة سنة قام ابن زيد الّذي بلغ رشيداً وادّعى ذلك العقار بمقتضى تلك الوصيّة على وارث الموصي تسمع دعواه ولا يمنعه منها ترك أبيه ذلك العقار في يد وارث الموصي لأنّه هاهنا لا يدّعي الملك بسبب الإرث عن أبيه بل بسبب الوصيّة من أجنبيّ ولكن لو كان ذلك الموصي قد ترك الدّعوى بهذا العقار وهو في يد آخر مدّة خمس عشرة سنة لا تسمع به دعوى الموصى له لأنّ الموصى له قائم مقام الموصي فما منع عنه الموصي منع عنه الموصى له لأنّ الوصيّة أخت الميراث، ومثل الوصيّة بهذا المعنى البيع والشّراء والهبة‏.‏

وإذا ترك المورّث الدّعوى مدّة وتركها الوارث مدّة أخرى وبلغ مجموع المدّتين حدّ مرور الزّمان فلا تسمع تلك الدّعوى، لأنّه حيث كان الوارث قائماً مقام المورّث كانا كشخص واحد حكماً، فلو ترك المورّث الدّعوى ثماني سنين مثلا وتركها الوارث سبع سنين صار كأنّ الوارث ترك الدّعوى خمس عشرة سنة فلا تسمع دعواه، ومثل البائع والمشتري كالموصي والموصى له، فلو كان واحد متصرّفاً في عرصة متّصلة بدار خمس عشرة سنة، وصاحب الدّار ساكت، ثمّ أوصى صاحب الدّار بداره هذه إلى رجل، فقام الموصى له يدّعي أنّ العرصة طريق خاصّ للدّار الموصى له بها لا تسمع دعواه‏.‏

وإذا مات أحد وفي ورثته بالغ وقاصر، فإنّ البالغ إذا ترك الدّعوى المدّة المقرّرة بلا عذر فلا تسمع دعواه، وأمّا القاصر فلا يحسب عليه مرور الزّمان إلّا من تاريخ بلوغه رشيدا، مع ملاحظة الخلاف السّابق في وجود الوصيّ وعدمه‏.‏

8 - وكلّ ما تقدّم بالنّسبة لعدم سماع الدّعوى لمرور الزّمان إنّما هو عند إنكار المدّعى عليه، فإذا اعترف المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي تسمع دعوى المدّعي مهما طال الزّمان، والمراد بعدم الإنكار إنّما هو عدم الإنكار أمام القاضي فلا يعتبر عدم الإنكار خارج مجلس القضاء، ولا يصحّ الاحتجاج به لوجود شبهة التّزوير، ولأنّه لمّا كان المنع من سماع أصل الدّعوى ففرعها وهو ادّعاء الإقرار أولى بالمنع من السّماع لأنّ النّهي يشملها، ولكن إذا كان الإقرار المدّعى به قد أيّد بسند جاء بخطّ المدّعى عليه أو ختمه المعروفين ولم تمرّ مدّة التّقادم من تاريخ السّند إلى وقت رفع الدّعوى فعند ذلك تسمع دعوى الإقرار على هذه الصّورة‏.‏

والأحكام المتقدّمة الخاصّة بمرور الزّمان إنّما هي للحقوق الخاصّة المتعلّقة بالإقرار، أمّا ما يتعلّق بالأمور العامّة كالطّريق ونحوها فلا تسري عليها أحكام مرور الزّمان، فتسمع وإن طالت المدّة، وما تقدّم هو خلاصة أحكام مذهب الحنفيّة بالنّسبة لمرور الزّمان‏.‏

9 - أمّا المالكيّة فيعبّرون عن مرور الزّمان بالحوز والحيازة وعندهم أنّ هناك دعاوى لا تسمع مطلقاً، وهي الدّعاوى الّتي توجب مَعرّةً كالدّعاوى الّتي ترفع على من عرف بالاستقامة والشّرف في المعاملة كأن يدّعي شخص معروف بالفقر والتّجنّي على النّاس على شخص يطالبه بعقار في يده‏.‏ والحيازة عندهم على قسمين‏:‏

1 - حيازة مع جهل أصل الملك لمن هو‏؟‏‏.‏

2 – حيازة مع علم أصل الملك لمن هو‏؟‏‏.‏ فالأولى تكفي فيها الحيازة المانعة من سماع الدّعوى لمدّة عشرة أشهر فأكثر سواء أكان المحوز عقاراً أم غيره‏.‏

والثّانية لا بدّ فيها من عشر سنين فأكثر في العقار، أو عامين في الدّوابّ والثّياب ونحوها، ويشترط لسماع الدّعوى في كلّ من الحيازتين أن تشهد البيّنة بذكر اليد، وتصرّف الحائز تصرّف المالك في ملكه، والنّسبة، وعدم المنازع، وطول المدّة عشرة أشهر في الأولى وعشر سنين في الثّانية، وعدم علمهم بما يفوّت على المالك الأصليّ حقّه في استرجاع ملكه، فلا تقبل الشّهادة مع فقد هذه الأمور أو صيغة الشّهادة الّتي تثبت الملك للمدّعي، وهم يفرّقون بين الشّاهد ذي العلم وغيره‏.‏

10 - وجمهور فقهاء المالكيّة يرون أنّه لا يسأل عن مصدر حيازته فلا يقال له‏:‏ كيف حزت ما تضع يدك عليه‏؟‏ خلافا لابن رشد، فإنّه جزم بأنّه لا بدّ من سؤال الحائز عن مصدر حيازته، هل هو الميراث مثلا أو الشّراء أو الهبة أو غير ذلك‏؟‏ ولا بدّ أن يبيّن ذلك، فأمّا مجرّد دعوى الملك دون أن يدّعي شيئاً من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره‏.‏ ورأى ابن رشد خلاف رأي الجمهور، ورأي الجمهور هو المعمول به، اللّهمّ إلا إذا كان الحائز معروفاً بالتّسلّط والغصب والتّعدّي، فلا بدّ عند الجمهور أن يبيّن بأيّ وجه صار إليه ولا ينفعه قوله اشتريته من القائم أو غيره أو ورثته بل لا بدّ من إثباته ذلك فإن لم يثبته فعليه الكراء في جميع المدّة الّتي كان بيده بما يقوله أهل المعرفة‏.‏

وإن عرف أنّ حيازته كانت بباطل لم ينفعه طول الحيازة وإن ادّعى شراءه، إلا أن يطول ذلك نحو الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر لا يغيّر ولا يدّعي شيئاً، والمعوّل عليه في مذهب المالكيّة أنّ الحائز إذا حاز العقار مدّة عشر سنين مع وجود المدّعي وسكوته بلا عذر فإنّ مضيّ المدّة المذكورة يمنع سماع دعوى المدّعي، وما قارب عشر سنين يأخذ حكم العشر فإذا نقصت شهرا أو شهرين أخذت حكم العشر، وأمّا إذا قامت الخصومة بين المدّعي والحائز أمام القضاء أو غيره كالمحكّمين فإنّ ذلك يقطع المدّة، وفي غير العقار يمنع من سماع الدّعوى مع عدم العذر مضيّ عشرة أشهر، وهناك خلافات بين فقهاء المالكيّة في ذلك، والتّخاصم يقطع مضيّ المدّة ولو مرّة واحدة، واشترط بعض المالكيّة تكرار التّخاصم وهو ما نقله ابن سلمون عن سحنون، وإذا سكت بعد المنازعة عشر سنين فإنّ سكوته يمنع من سماع دعواه، واختلفوا فيما إذا سكت المدّعي عن مخاصمة الحائز عشر سنين ثمّ رفع المدّعي أمره ليقضي له وعلّل سكوته بأنّ بيّنته كانت غائبة ثمّ جاءت، فقيل‏:‏ يقبل عذره وقيل‏:‏ لا، وكذلك لو قال‏:‏ كنت فاقدا مستندي ثمّ وجدته، وكذلك جهل الحكم على معنى أنّ جهله أنّ الحيازة تملّك الحائز ليس عذرا وسكوت المورّث ثمّ الوارث المدّة المذكورة يمنع من سماع الدّعوى لأنّهما كشخص واحد، وقيل تحسب مدّة المورّث وحدها ومدّة الوارث وحدها فلا يجمعان معاً‏.‏

11 - ونفقة غير الزّوجة تسقط بمضيّ الزّمان فلا تصير بفوتها ديناً في ذمّة من تجب عليه إلا باقتراض قاض بنفسه أو مأذونه لغيبة أو منع فإنّها حينئذ تصير ديناً عليه بشرط أن يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الأصل مثلاً‏.‏

أمّا نفقة الزّوجة فلا تسقط بمضيّ الزّمان بل تصير دينا في ذمّة الزّوج، والمراد بالنّفقة هنا ما سوى المسكن والخادم، لأنّ نفقة الزّوجة للاستمتاع والتّمكين، وكذلك المهر بعد الدّخول فإنّه لا يسقط بالتّقادم، بل يستقرّ في ذمّة الزّوج ويستحقّ بالموت أو الطّلاق البائن ويصير مأموناً من سقوطه‏.‏

12 - ويبيّن أيضا ممّا تقدّم أنّ الحنفيّة والمالكيّة يكادون يتّفقون على إباحة سماع الدّعوى للأعذار، وهي على الجملة الصّغر والغيبة البعيدة والجنون والعته وكلّ عذر يمنع المدّعي من رفع الدّعوى كأن يكون المدّعى عليه ذا سطوة ويخاف منه - على التّفصيل المتقدّم‏.‏

التّقادم في الحدود

أ - تقادم الشّهادة في الحدود‏:‏

13 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّهادة على الزّنى والقذف وشرب الخمر تقبل ولو بعد مضيّ زمان طويل من الواقعة لعموم آية الشّهادة في الزّنى، ولأنّه حقّ لم يثبت ما يبطله، ولأنّ الشّهادة إنّما صارت حجّة باعتبار وصف الصّدق، وتقادم العهد لا يخلّ بالصّدق فلا يخرج من أن يكون حجّة كالإقرار وحقوق العباد‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ التّقادم في الحدود الخالصة للّه تعالى يمنع قبول الشّهادة إلا إذا كان التّأخير لعذر كبعد المسافة أو مرض ونحو ذلك، فحدّ الزّنى والشّرب والسّرقة خالص حقّ اللّه تعالى حتّى يصحّ رجوع المقرّ عنها فيكون التّقادم فيها مانعاً‏.‏ وأمّا حدّ القذف فالتّقادم فيه لا يمنع قبول الشّهادة، لأنّ فيه حقّ العبد لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا تقبل دعواه، ولا يصحّ رجوع المقرّ عن إقراره فيه، ولأنّ الدّعوى فيه شرط، فلا يتّهم الشّهود في ذلك، ونقل ابن الهمام عن ابن أبي ليلى‏:‏ ردّ الشّهادة والإقرار في جميع الحدود القديمة‏.‏

ب - تقادم الإقرار‏:‏

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّقادم في الإقرار لا أثر له بالنّسبة لتلك الحدود ما عدا حدّ الشّرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنّ الإنسان غير متّهم في حقّ نفسه، وعلى هذا فيقبل الإقرار بالزّنى ولو بعد مدّة ‏.‏

تقاصّ

انظر‏:‏ مقاصّة‏.‏

تقاضي

انظر‏:‏ قضاء‏.‏

تقايل

انظر‏:‏ إقالة‏.‏